المحتوى الشورى في الإسلام الشورى لغة و اصطلاحا حكم الشورى و أدلة مشروعيتها أدلة الشورى في القرآن الكريم أدلة الشورى في الأحاديث الشريفة الشورى عند الرسول صلى الله عليه و سلم الشورى عند الصحابة (رضوان الله عليهم) أهمية الشورى أنواع الشورى
الشورى في الإسلام تمهيد: إن الشورى من مبادئ الإسلام الأساسية فقد أمر الله - عز وجل- بها نبيه الكريم المؤيد بالوحي، ولا يخفى أن الأمر للنبي هو أمر لأصحابه ولأمته من بعده إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها- كما هو مبيَّن في محله - قال الله تعالى: ﴿وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْر﴾ (القرآن. آل عمران 3 :159). كما وصف بها عباده المؤمنين فقال تعالى: ﴿وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ﴾ (القرآن. الشورى 42 :38). ولا شكّ أن نظام الشورى في الإسلام له دور كبير في بناء وإصلاح المجتمع، وهو يحفظ المجتمع من القرارات الخاطئة، فالمشورة توفر الفرصة لاستماع آراء أهل المعرفة والحكمة والخبرة، ومناقشة الآراء المطروحة لتصويب مواطن الخلل بها وتنميتها، وتتيح الفرصة لاختيار آراء واقتراحات نافعة ومفيدة للمجتمع.
الشورى في الإسلام الشورى لغة واصطلاحا الشورى في اللغة : تعنى الاستخراج والإظهار يقال "شار العسل يشوره شورا، إذا استخرجه من الوقبة واجتناه"(ابن منظور، 2000 : 103). والشورى إذن هي طلب الرأي من شخص معين أو من أفراد معينين. الشورى في الاصطلاح: هي تقليب الأراء المختلفة ووجهات النظر المطروحة في قضية من القضايا واختبارها من أصحاب العقول والأفهام حتى يتوصل إلى الصواب منها، أو إلى أصوبها وأحسنها ليعمل به حتى يتحقق أحسن النتائج" (أبو فارس، 1986 :79). الشورى في الإسلام ليست خاصة بنظام الحكم ولكنها تطرَّقت كل الميادين والمستويات ولا سيَّما الاجتماعية منها، وهي سمة من سمات المسلمين، وقد جاءت الشورى في القرآن بعد الإيمان والعبادة في الترتيب، وذلك في قوله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ﴾.
حكم الشورى وأدلة مشروعيتها اختلف العلماء في حكم الشورى هل هو واجب أو مندوب، ولكن الذي عليه الجمهور هو أن الشورى واجبة لورود النصوص القرآنية والأحاديث النبوية التي توجب الشورى على الأمة في كل أمر ذي بال.
أدلة مشروعيتها قال الله تعالى ﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ﴾ (القرآن. آل عمران 3 :159)، فشاورهم صيغة أمر والأمر للوجوب إذا لم تصرفه قرينة ولا قرينة صارفة هنا بل أن سبب نزول الآية يؤكد الوجوب. ويدل على واجبية الشورى وأهميتها في الإسلام قوله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ﴾ (القرآن. الشورى42 : 38)، ويقول ابن كثير ( 1966) في تفسيره للآية : لا يبرمون أمرا حتى يتشاوروا فيه، ليتساعدوا بآرائهم في مثل الحروب وما جرى مجراها. ولهذا كان عليه الصلاة والسلام يشاورهم في الحروب ونحوها، ليطيب بذلك قلوبهم.
أدلة الشورى في الأحاديث الشريفة ولقد جاءت الأحاديث الكثيرة تقرر أن الشورى في هذا الدين قاعدة من قواعد الحكم ولهذا أكثر منها رسول الله صلى الله عليه وسلم. فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال "ما رأيت أحدا أكثر مشاورة لأصحابه من رسول الله صلى الله عليه وسلم" (الحديث: ابن حبان. ج11:# 217). عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ قَالَ عَلَيَّ مَا لَمْ أَقُلْ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ، وَمَنِ اسْتَشَارَهُ أَخُوهُ الْمُسْلِمُ فَأَشَارَ عَلَيْهِ بِغَيْرِ رُشْدِهِ فَقَدْ خَانَهُ، وَمَنْ أَفْتَى بِفُتْيَا غَيْرِ ثَبْتٍ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى مَنْ أَفْتَاهُ" (الحديث: البخارى. كتاب الأدب المفرد :#259 ).
الشورى عند الرسول صلى الله عليه وسلم وفي غزوة بدر حين نجت القافلة، وخرجت قريش لقتال الرسول الله صلى الله عليه وسلم وبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم استشار أصحابه بقوله أشيروا علىّ أيها الناس! فتكلم أبو بكر فأحسن وأبدي رأيه في ضرورة قتال قريش، ثم تكلّم عمر فأيّد رأي أبي بكر، ثم تكلّم المقداد بن الأسود فقال: "يارسول الله إمض لما أمرك الله، فنحن معك. وفي أسرى بدر استشار النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين فقال: "إن الله أمكنكم منهم، ما تقولون في هؤلاء الأسرى؟ فقال أبو بكر: يا رسول الله قومك وأهلك، استبقهم واستعن بهم، لعل الله يتوب عليهم.
الشورى عند الصحابة (رضوان الله عليهم) إن أول ما قام به الصحابة بعد وفاة الرسول مباشرة هو اجتماع سقيفة بنى ساعدة لاختيار خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجرت الشورى بينهم إلى أن انتهت باختيار أبي بكر خليفة للرسول صلى الله عليه وسلم ثم تكون البيعة العامة من قبل جمهور الحاضرين (أحمد عبد المالك، 2016). وفي عهد عمر رضي الله عنه تطور مبدأ الشورى حيث وضع الخليفة نفسه قواعد الشورى ووضع مجلس الشورى الذي اشتمل على العلماء والقراء وكان يستشيرهم في كل أمر ذي بال، وكان يقسم الناس بحسب سبقهم في الإسلام.
أهمية الشورى إنَّ للشورى أهميةً كبيرة في حياة الأمم والشعوب، وإن أيَّ نظام أو تنظيم يَنشُد الخير والفلاح، ويبحث عن العدالة والمساواة، ويتوق إلى العزة والكرامة. وينبغي أن نذكر هنا أن الشورى رغم أهميتها في الإسلام إلا أنها تحرم المشاورة فيما تبيَّن فيه حكم الشرع بإيجاب، أو تحريم، أو إباحة، فلا يمكن المشاورة فيه، لقضاء الله ورسوله في ذلك، قال الله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ، وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا﴾ (القرآن. الأحزاب33: 36)، ولا تكون الشورى فيه إلا في فهم المقصود منه، أو في كيفية التنفيذ، إذا كان هناك أكثر من طريقة لتنفيذه.
أنواع الشورى 1. الشورى في القضايا العامة. 2. الشورى في المصالح الخاصة بطائفة أو فئة معينة داخل الجماعة المسلمة. 3. الشورى في المسائل الفنية. 4. الشورى في المسائل الفقهية (الفتوى الدينية). كما يمكن تقسيمها من حيث الإلزام والاختيار إلى: 1. الشورى الملزمة وهي الشورى التي ينبغي أن ينزل فيها ولي الأمر عند ما تنتهي إليه الجماعة المسلمة من رأي وتوصية، سواء بالإجماع أو الأكثرية، بعد ممارسة حرة ومنضبطة بالضوابط المعروفة في الكتب الشرعية. ومسائل الشورى الملزمة تتمثل فيما يلي: أ. الشورى في القضايا العامة: التي تهم الجماعة المسلمة، وتمس بشكل مباشر حقوق وحريات ومصائر أفراد. ب. الشورى في المصالح الخاصة بطائفة أو فئة معينة داخل الجماعة المسلمة: وفيها ينبغي على ولي الأمر ألا يحمل هذه الفئة على ما تكره من المنع أو العطاء وأن يعتمد ما تقره من رأي، وما تنتهي إليه من تدبير في شأنها الخاص شريطة ألا يعود بالضرر على عموم الجماعة المسلمة.
تقسيم الشورى من حيث الإلزام والاختيار 2. الشورى الاختيارية (الاستشارة الحرة) وهي الشورى في الأمور التي لا يلزم أصلا على ولي الأمر أو الأمير، وإنما يملك كل فرد الحقوق في أن يقرر ما شاء وعلى الجمهور السمع والطاعة، وهذا النوع من الشورى قد تكون في الأمور الفنية مثل اختيار من رآه نشيطا ومناسبا لأداء رسالته إلى الجمهور أو إلى شخص معيّن. ويلاحظ أن من خصائص الشورى في الإسلام أنها يجب أن تتم في إطار الشريعة الإسلامية، وعلى منهاج النبوة، فلا تخرج عن النصوص الشرعية من القرآن الكريم، والسنة النبوية المطهرة.
و الله أعلم. أحسنَ اللهُ إليكمُ. و بالله التوفيق و الهداية